معلومات عامة عن الكتاب
- اللغة : العربية
- اﻟﺘﺼﻨﻴﻒ : روايات رعب
- الحجم : MB 11.50
- عدد الصفحات : 254
- عدد التحميلات :30577
- نوع الملف : PDF
- المؤلف : أيمن العتوم
لمحة عن الرواية
لماذا يفضل قراءة رواية رؤوس الشياطين لعشرة أسباب على الأقلّ: - وجبة قصيرة دسمة؛ فعدد صفحاتها (١٩٩) صفحة؛ وهي أقل روايات أيمن العتوم في عدد صفحاتها. - مشاهد مُكثّفة، سريعة الانتقال، عميقة الأثر العاطفي. - تتحدّث عن طبيب عبقريّ يتناهشه عددٌ من الأمراض؛ بعضُها يمرّ به أكثرُنا، وربّما تقول وأنت تقرؤها: هذه الشخصيّة تتحدّث عنّي، هذا أنا. - تجعلك تتساءل: هل هذا الذي وقع فيه البطل هو مرض؟ لقد وقعتُ فيما وقع فيه تمامًا ولم أكن أعرف! - واقعية في تناولها وطرحها؛ تبحث عن سبب المشكلة أكثر مِمّا تقدّم حَلاًّ. - تطرح عددًا من الأسئلة الوجودية والهواجس الإنسانية المَرَضيّة عن الحياة والموت والنجاح والإخفاق، ومحاولة فَهم تناقضات النفس البشريّة. - تحاول الإجابة عن سؤال: هل يعرف المريض النفسيّ أنه مريض؟ - مختلفة عن روايات أيمن العتوم السابقة كلّها؛ فبعد أدب السجون وأدب الحرب وأدب الملاحم التاريخية؛ تأتي هذه ضمن روايات الأمراض النفسية. - تعتمد على البحث الذّاتي للبطل عن حلّ لمشكلته مع وعيه التّام بجوانب تلك المشكلة أو المصيبة. - تعتمد على فكرة: الحلّ هنا، ولكنّني بحثتُ عنه هُناك! - تجارب البطل وتجاوبه مع الأديان والأفكار والمُعتقدات تكون جزءًا من الحل والمشكلة معًا؛ وهذا هو قمّة المفارقة في سلوك البطل. أمّا اللغة والسرد والوصف مع كل هذا التناقض الظاهر؛ فهي لغة أيمن العتوم وسردُه ووصفُه!
عن الكاتب
أيمن العتوم شاعر وروائي أردنيّ ولد في، تلقّى تعليمه الثانوي في دولة الإمارات العربية المتحدة - إمارة عجمان والتحق بـجامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية ليتحصل على بكالوريوس الهندسة المدنية فيها عام 1997 وفي عام 1999 تخرّج في جامعة اليرموك بشهادة بكالوريوس لغة عربية، ثمّ التحق بالجامعة الأردنية ليُكمل مرحلة الدراسات ...اقتباسات من رواية رؤوس الشياطين
لسنا ناضجين لكي نحب كما ينبغي . الحب الذي يُعمر طويلاً لا يُقال ،لا يمكن أن تضع يدك علي حقيقته ، ولا يمكن فلسفته، ولا حتي البوح به. فإذا أردنا أن نسير هذا الطريق معاـ فعلي الحب أن يملك في نفسه ولنفسه قوته الدافعه لكي يستمر
لكنّ أباه برز له مرّة أخرى من داخل النّيران، وهتف به: "ملعون، لقد أحرقتَ كتبي". لم يحتمل هذه المرّة، انتفختْ رِئتاه، سرى في أوداجه دم الغضب، انفجر: "لم أكنْ أنتمي إلى ذلك المكان؛ ولذلك أحرقتُها". صرخ به صوتُ أبيه بأشدّ من صُراخه: "لم تكنْ تنتمي إلاّ إلى ذلك المكان؛ لم تكنْ تنتمي إلاّ إلى قريتنا، هل تظنّ نفسكَ أفضلَ منّي؟ لقد طفتُ بلدانًا كثيرةً، ولكنّني كنتُ مثل نبتةٍ زُرِعتْ خارج تُربتها، نحن لا ننمو إلاّ في تربتنا، كان قدَري أنْ أعود، وقدركَ أيضًا
وأسندَ ظهره إلى جدار الكهف في عُمقه، ورفع رجله اليُمنى فعقَدَها على صدره، ونظر في الظّلام إلى باب الكهفِ ورآهم جميعًا؛ كان فيه ستّةٌ يتصارعون. لم يكن صراعًا بين الخير والشّرّ، فمنذ أن عاش السّتّة في عقله ومعاني الخير والشّرّ تبدو باهتةً لا قيمة لها، وكان يعتقد أنّ الخير الذي ينتصر قد لا يستحقّ النّصر، وأن الشّرّ الّذي يخسر قد لا يستحق الخسارة. كان على الخير والشّرّ أن يتصالحا في جمجمته لكي يستمرّ في هذه الحياة، أن يسيرا معًا كشقيقين في تلافيف دماغه، لم يكن صالحًا بالضرورة ولم يكن طالحًا بالطبع، كان مزيجًا غريبًا منهما.
أستطيع أنْ أقول من مُعايشتي له: إنّ عقله يضمّ مكتبة الإسكندر المقدوني الكُبرى، ومكتبة بغداد، ومكتبات بطليموس كلّها، ومكتبة الكونغرس الأمريكيّ... عقلُه كُتُبٌ تتحرّك على الأرض، دَعه يكتب، ونحن نقرأ ما يكتب، وعلى ضوء هذه الاعترافات الّتي يُدوّنها عقله اللاواعي، سنفهم، ولربّما إذا أردْنا أنْ نحلم أكثر فيُمكن أنْ نبني عليها نظريّات في علم النّفس كما كان يفعل (فرويد) مع مرضاه، أو نُقدّم فيها براءات اختراع إذا كانت الدّولة تهتمّ بذلك
إنّها الكأس العاشرة. إنّني أعمى. أسير في دروبٍ مُتعرّجة زَلِقة. المطر يسقط. السّماء تُزمجر. والرّيح الشّديدة تجعل قطرات المطر كأنّها زَخّات رَصاص، أنا أحاول أنْ أفتحَ فمي لأشرب بعضَ تلك القطرات، ولكنّ الرّيح تَذروها عن فمي. إنّني أصمّ، لا أسمعُ إلاّ ضجيجًا عميقًا في أُذنَيّ، لا أسمعُ صوتي، ولا أسمعُ صوتَ الآخرين، الفضاء مملوءٌ بالأصوات الغريبة، إنّها تُشبه صراصير طيّارة تئزّ في المدى، وتدخل في فمي وعينَيّ وأُذنَيّ. أكادُ أختنق، أبحثُ عن هواء نظيفٍ، المدينة كلّها مليئةٌ بهواءٍ فاسدٍ، وأنا فاسدٌ مثلها!
اليوم هو السّادس من حزيران، لا زلتُ أعاني صُداعًا زارني من عشرةِ أيّام، يقولون إنّه بسبب قلّة النّوم، إنّني لم أنم من سنواتٍ سحيقة، ولم يكنْ يُصيبني صُداعٌ بهذه الحِدّة، ربّما لا أحدَ يعرفُ أنّ السّبب وراء ذلك هو حوارات الفلاسفة والشّعراء في عقلي، لقد سمعتُ الغزالي وابن رشد يتهارَشان، كانا يقضِيان في ذلك شهورًا طويلة، وأنا رأسي لا تحتمل كلّ هذا الكمّ من السّخونة، ولقد رأيتُ ابن عبّاس يُضيّق الطّريق على أبي نواس، وهو يقول له: هلكت، فيردّ عليه أبو نواس: ما هلك إلاّ مَن قال، ويتجادلان، وينضمّ إليهما النّظّام فيُصدّع عقولهما وعقلي معهما بحواراته. المعرفة بُؤس
اليوم هو الرّابع من حزيران، الموتُ رفيقٌ مُلاصِق، أراه في الطّعام، والشّراب، والهواء، وكلّ شيءٍ، أراه في وجوه الأطبّاء الشّمعيّة، وفي عيون المرضى، أراهم جثثًا مُمدّدة، على أقدامهم أرقامُ موتهم، وأكفانهم إلى جانبهم، والحُفر العميقة تستعدّ لاستقبالهم، هل يكون الموتُ واضِحًا إلى هذا الحدّ؟!
وقالتْ له: "إنّها خمسُ سنواتٍ من العشق، مشيتُ في دروبٍ لم يكنْ لأحدٍ أنْ يمشيها معكَ سِواي، وكنتُ أسأل نفسي في اليوم ألفَ مرّة، لماذا تفعلين ذلك معه؟ هل سرقَ عقلك؟ ما الشّيء الّذي يُميّزه حتّى تقبلين بغريبٍ مثله؟ ولكنّ الأسئلة في الحبّ تبدو لا معنى لها، تبدو سطحيّة، تبدو بلا إجابات! هل يملك العِلم تفسيرًا مُمكنًا لذلك؟ الحبّ يُفسّر نفسَه بنفسِه، لقد أحببتُك؛ أحببتُكَ من كلّ قلبي، وهذا يكفي؛ هل الاعتراف بالحبّ ذنب؟ وإنّ الطّريق إلى بيتنا مفتوحة". وألقَى رأسَه على صدره، وقال بعدَ لحظةِ صمت: "الطّريق إلى بيتكم طويلة". وردّتْ: "إنّها لقصيرةٌ على مَنْ أراد
وهتفَ بحنوّ: "ما الّذي أصابكَ يا بُنيّ؟". "رحيلُ أبي كسرني يا شيخ، أسمع صوتَه في أذني، لا أستطيع أنْ أدرك أنّه رحل، أكلّمه في اللّيل، صوتُه، هل تدرك معنى أنْ تسمعَ صوتَ أبيك دون أنْ تراه، لكنّه يُخاطبني بصوتٍ صافٍ كأنّه هنا، أُقسم لك بالآيات الّتي حفظتُها أنّني أسمعه، وأحادثه، ويطلبُ منّي أشياء، أشياء كثيرة، ويُحاورني كما لو أنّه ما زال هنا، هنا في مكانٍ ما، ليسَ في أذني فقط، بل في كلّ ذرّةٍ فِيّ، في هذا الفراغ، في هذا الوجود، أنا أعرفُ صوتَ أبي، لا يُمكن أنْ أُخطِئه، إذا كان غير موجودٍ، فلماذا يُجيب عن أسئلتي كلّها، ويُحاورني في تلك الأمور الّتي لم ننتهِ من الحِوار فيها؟! هل أنا أهذي؟! كلاّ سيّدي الشّيخ، الصّوت الحقيقيّ لا يصدر إلاّ عن جسدٍ حقيقيّ، هذا الصّوتُ أثبتُ عندي من صوتي أنا!!
وقال لأبيه في ادلهمام اللّيلة الثّالثة: "غارت النّجوم، وانطفأتِ الشّرارة". "نحن مَنْ يبدأ النّار". "نحن في سجن". "كيف؟". "لا يفهمنا أحدٌ". "أنا أفهمك". "قلتُ نحن؛ أنتَ سجينٌ مثلي يا أبي". "لا تكرهْ أحدًا ولا تعشقْ أحدًا؛ مَنْ يستحقّ ارتجاف هذه المُضغة في الصّدر غير المعرفة، غيرُ الكأس، غيرُ التّوق". "نحن لا نملك هذه المُضغة حينَ ترتجف". "الضّعفاء لا يملكونها، نحنُ لسنا كذلك". "إنّنا نموت". "نحنُ لا نموت. نحن نجومٌ، قد نغيّر مواقعنا، قد يكسرنا الضّوء، قد نلمَع هنا فيما نحن هناك، ولكنّنا لا ننطفِئُ بحال أبدًا
فلماذا تزوّجكِ إذا كان لا يُريد لهذا الزّواج أنْ يستمرّ؟". "لكي يُنجِبَ ابنًا يُشبهه؛ ربّما نجح فقط في ذلك، وأخفقتُ أنا". "أنا أسأل لماذا اختار أنْ يبتليكِ دونَ سِواكِ لكي تكون رحمها نُطفةً لولدٍ مُحتملٍ يريدُه مثله؟". "كان يتمنّى أنْ يكون إنسانًا آخَر، ولكنّ النّاس لا يختارون الحال الّتي يكونون عليها، إنّهم يُولَدون بها. ألستَ تُشبهه؟!
النّوم نِعمة النّوم نِقمة النّوم قاتِلٌ إذا أقبل، وقاتِلٌ إذا أدبر، وقاتلٌ إذا رضي، وقاتلٌ إذا سَخِط، محبوبةٌ غير مُطيعة، وخليلةٌ غير واصِلة، ومُشتهاةٌ مُتمنِّعة، وقريبةٌ بعيدة!! كيفَ ينامُ ذو هَمّ لكنّ الهموم مثلُها مثلُ أيّ شيءٍ آخَر خلقَه الله،
وقضى شهورًا طويلةً في بيته، يستجدي الرّعاةَ العابرين لقمةً ولو يابسة، وقال له راعٍ ذاتَ مرّة: "أيجوعُ طبيب؟". وقال له آخَر: "هل أنتَ فقيرٌ إلى هذا الحدّ؟!". وقال له ثالث: "رَحِم الله أباكَ لقد كان يُطعِمُ حتّى الفِئران، واليومَ لا تجدُ اللّقمة؟!". وقال له رابع: "رَحِم الله أُمّك، لقد كانتْ دعواتُها تُشبَعُ أهل القرية كلّهم، أفلا دعتْ لكَ قبلَ أنْ تموت؟!". وقبلَ أنْ يهتف به راعٍ عابرٌ خامس، قال له: "وفّرْ نصائحكَ لنفسِك، كلّ ما أريدُه نصفَ رغيفٍ يابس ولو بالتْ عليه أغنامُك
وشعَر بحفيفٍ يلفّ عنقه، فتلمّسها، فلم يجد إلى عروقَه النّافرة، ونظَرَ إلى النّافذة، فرأى رؤوسًا كثيرة تتسلّق على الزّجاج، مفغورة الأفواه، مفتوحة الأعين، وأسنانها تلمع على ضوء النّجوم، كأنّها رؤوس الشّياطين، وميّز من بينِها الجُثث الّتي كان يسرقها، كانتْ تستغيث، وتصرخ، وتلعن، وصرخَ هو بدوره: "ارحلنَ أيّتها الرؤوس العفنة". ولكنّها بدل أنْ ترحل، راحتْ تُقهقه، وتحفر بأظافرها وعِظام أصابعها على الزُّجاج، وتهتف بصوتٍ جماعيّ: "أنتَ ملعون". فصرخَ بصوتٍ راعف: "بل أنتنّ الملعونات أيّتها العِظام النّخرة
ومضى زمنُ السّواقي الّتي تدور في غفلةٍ من الزّمن نفسِه، وسقى الماء كلّ نبتةٍ عطشى فأينَعها، ودار على المحرومين فمنحهم. وأعطتْه هي كلّ ما تملك، وتعلّم منها أنّ نشوة العَطاء تصغُر أمامها كلّ نشوة. وقذفَ رَحِمُها له سِتّة من الأبناء، وكانَ أكولاً، وكبرتْ كرشُه، فكانت تسبقه إلى سرير الشّفاء، وتضخّم أنفُه، ونمتْ عليه شُعيراتٌ قلائل، كأنّها صَبّار في صحراء، وتدلّتْ النّظارات على صدره، وردمَت الهُوّة الّتي كان يتوهّمها بينهما، وصنعتْ جسرًا عَبَره إلى ضِفّتها بأمانٍ.